قال الله تعالى:
( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى
وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى )
النجم الآية 39/40/41.
الدرس الأول:
العمل في الإسلام:
مفهوم العمل: هو ممارسة أيّ نشاط، والعمل في أيّ مجال، عن طريق الزراعة أو التجارة أو الصناعة، وأيّ حرفة من الحرف اليدوية وغيرها، ما دام ذلك كله في دائرة ما أحلّ الله تعالى.
والعمل الذي يريده الإسلام، ويدعو إليه هو كلّ عمل صالح تزكو به النفس، وتقوّم به الأخلاق، وتقوى به العلاقات الإنسانية، وتنتظم به الحياة، وتصان به ضرورات الإنسان. وهو كلّ عمل ينمّي الإنتاج، ويزيد الثروة، فتكون للأمّة السيادة، ويكون لها المجد.
العمل الفكري والعمل البدني:
العمل الفكري هو كلّ ما يتعلّق بإعمال العقل والفكر، كالتعليم، والقضاء، والإدارة وغيرها.
والعمل البدني هو كلّ ما يتعلّق باستعمال البدن والجسم والعضلات، كالحِرَفِ اليدوية (الحدادة والخياطة.. ) والزراعة والصناعة وغيرها.
البطالة: هي القعود عن العمل، وعدم الاشتغال.
البطالة ظاهرة وُجدت في أغلب المجتمعات الإنسانية في السابق والحاضر، ولا يكاد مجتمع من المجتمعات الإنسانية على مرّ العصور يخلو من هذه الظاهرة أو المشكلة بشكل أو آخر.
محاربة الإسلام للبطالة:
حرّم الإسلام البطالة، ومقت القاعدين عن العمل من غير سبب، فقد ورد في الأثر أنّ أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة المكفيّ الفارغ ( وهو من يكفيه الناس ضرورات الحياة )، وقد ورد في الأثر ( إنّ الله يحبّ العبد المحترف ويكره العبد البطال )، وكانت هذه الحرمة لأنّ التبطّل سبيل إلى الفقر الذي كاد أن يكون كفراً. ولأنّ العمل حركة ونشاط والبطالة سُكون وموت. ولقد حارب الإسلام البطالة بوسائل شتّى منها:
ـ توفير مناصب الشغل، وجعلها من حقوق الإنسان.
ـ الترغيب في العمل والترهيب من البطالة.
ـ الترغيب في الشركة والمضاربة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إنّ الله عزّ وجلّ يقول: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما ) رواه أبو داود
ـ مشروعية القرض الحسن الذي يساعد على العمل، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( ما من عبد يُقرض مسلماً قرضاً مرّتين إلا كان له كصدقة مرّة ) رواه ابن ماجه.
ـ حث الإسلام على إعانة الفقير، وجعل المُعين خيراً من المعان من جهة نيل الأجر والثواب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( اليد العليا خير من اليد السفلى ) متفق عليه.
ـ تشريع الحج وجعله من العبادات الساميّة، وذلك لا يتحقّق إلا بالمال والعمل، فكان الحج دافعاً للعمل والكسب.
العامل في القرآن والسنّة:
أسلوب الإسلام في الدعوة إلى العمل أسلوب متميّز، لا يكاد يضاهيه أو يقاربه أيّ أسلوب آخر. قال الله تعالى:
ـ ( وَهُوَ الْذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ لِيَبْلُوَكُم أَيُّكُم أَحْسَنُ عَمَلاً ) هود الآية 7.
ـ ( وَلَكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُواْ وَلِنُوَفِّيَهُم أَعْمَالَهُم وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) الأحقاف الآية 19.
ـ ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الجَزَاءَ الأَوْفَى ) النجم الآية 39/40/41.
ـ ( وَقُلْ اِعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ ) التوبة الآية 105.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم:
ـ ( ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ) رواه البخاري.
ـ ( لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحُزمة حطب فيبيعها فيكفّ الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطَوْه أو منعوه ) متفق عليه.
الدرس الثاني:
المال في نظر الإسلام هو قوام الحياة، وعصبها، وأساسها، فيجب على الإنسان أن يسعى في كسبه، ويجدّ في تحصيله وتنميته بالطرق المشروعة النافعة، وألاّ ينفقه إلا في الحلال وفي منفعة.
الاعتدال:
هو التوسّط بين الإفراط والتفريط، وفي النفقة التوسّط بين الإسراف والتقتير.
ترشيد الاستهلاك:
الترشيد: هو حسن التدبير والتصرّف. للمالك الحق في ماله، ومن تلزمه نفقته من أبنائه وزوجته وأقاربه. وتشمل النفقة الغذاء والكساء والسكنى والتربية والتعليم والعلاج وكل ما هو ضروري للحياة.
فالله تعالى ينهى عن البخل، ويصوّر البخيل بحال من شُدّت يده إلى عنقه، فلا تنبسط بخير. وينهى عن الإسراف، ويصوّر حال المسرف بحال من بسُطت يده، فلا تمسك شيئاً، فقال الله تعالى: ( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدْ مَلُوماً مَحْسُوراً ) الإسراء 29.
إنّ الله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده. وكلّ ما اشترط الإسلام في هذه النفقة الاعتدال، والقصد، فلا يسرف ولا يبخل. قال الله تعالى: ( وَالْذِينَ إِذَا أَنْفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يُقْتِرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ) الفرقان الآية 67. ومن العدالة أن يملك العامل ثمرة كدّه ونتائج كدحه وسعيه، ولكن من الاعتدال أن يكون رشيداً في التصرف بماله على نفسه وأهله. قال الله تعالى: ( كُلُواْ مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ) الأنعام الآية 141.
أثر ترشيد الاستهلاك على حياة الفرد والمجتمع:
الحقّ هو العدل والقصد في جميع الأمور، فإنّ ملازمة الطيّبات تفضي إلى الترفّه والبطر، الذي كان السبب في هلاك الأمم المترفة، قال تعالى: ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهِلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ) الإسراء 16.
كما أنّ منع النفس من تناول الطيّبات يؤدّي إلى التنطّع المنهي عنه، قال الله تعالى: ( وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ..) الإسراء الآية 29.
إنّ ترشيد الاستهلاك يؤدّي إلى أمور محمودة كثيرة منها:
ـ الحفاظ على المال الذي هو عصب الحياة.
ـ التحصين من الفقر الذي تنجرّ عنه انحرافات خطيرة.
ـ ضمان كفاية الفرد والمجتمع وإشباع حاجات الإنسان الأساسية كي لا يلجأ إلى السّؤال المنهي عنه.