قال الله تعالى:
( يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ )
الحجرات الآية 13.
الدرس الأول:
التعارف:
تعارف الجمعُ إذا عَرف بعضهم بعضاً. والتعارف يؤدّي إلى التعاطف والتآلف.
وضدّه التنافر والتناكر وهو التخاصم والتنازع المؤدّي إلى الاختلاف والافتراق.
التواصل:
الاستمرار والتتابع والترابط والاتصال، يقال تواصل معه إذا اجتمع معه واتّفق، وترابط.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ) متفق عليه.
ثمار التعارف والتواصل:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( من سرّه أن يُبسط له في رزقه وأن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه ) متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام: ( إن صلة الرحِم محبّة في الأهل مثراة في المال منسأة في الأثر ) رواه الترمذي.
فالتعارف والتواصل من أهمّ وسائل الاتصال بين البشر لما لهما من أثر طيّب في حياة الناس:
ـ التعارف والتواصل يجلبان المحبّة والمودّة والمواساة والنصرة.
ـ التعارف والتواصل من العوامل التي تساعد على تقويّة الصلات الإنسانية وتبادل المصالح بين الناس، سواء كانت مالية أو علمية أو أدبية.. قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) الحجرات الآية 13.
ـ تقديم المساعدات وإيصال الإعانات للمحتاجين لها.
ـ ترويض النفس على التعايش مع الغير، وتجنّب العزلة والتفرّد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إيّاكم والفرقة وعليكم بالجماعة فإنّ الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنّة فيلزم الجماعة ) رواه الترمذي.
محاربة الإسلام لمفسدات التعارف والتواصل:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( لا يحلّ لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيُعرض هذا ويُعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) متفق عليه.
الهجر ضدّ الوصل.
المسلم لأخيه المسلم ودود متودّد، آلف متألف، محبّ متحبّب، لا يعرف الهجر والعداء، والنفور والخصام، لأنّ ذلك يوجب الفرقة، ويمزّق الوحدة، من أجل هذا حرّم الإسلام الهجر، وجميع مفسدات التعارف والتواصل ومن أهمّها:
ـ الظلم: وهو انتقاص الحق.
ـ الاحتقار: وهو الاستصغار والسخرية.
ـ التباغض: وهو الكراهة والعداوة.
ـ التدابر: وهو التقاطع والهجر.
ـ التحاسد: وهو تمنّي زوال النعمة عن الغير.
ـ التجسّس: وهو تتبّع عورات الناس.
ـ الغيبة: وهي ذكر الغير بما يكره في غيبته.
ـ الظن السيّئ: وهو التهمة التي لا سبب لها.
قال الله تعالى: ( يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ لَا يَسْخَرُ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُواْ خَيْراً مِنْهُم وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُواْ أَنْفُسَكُم وَلَا تَنَابَزُواْ بِالأَلْقَابِ بِئسَ الاِسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَأَيُّهَا الذِينَ آمَنُواْ اِجْتَنِبُواْ كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغْتَب بَعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُم أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) الحجرات الآية 11/12.
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إياكم والظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث ولا تجسّسوا ولا تحسّسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا.. ) متفق عليه.
وقال عليه الصلاة والسلام: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره ..) متفق عليه.
الدرس الثاني:
التعايش السلمي:
يقال تعايش القوم بسلام إذا عاشوا بمودّة مع بعضهم البعض.
التعايش السلمي يقتضي الاحترام المتبادل، والتواصل المستمر، كما يقتضي تقديم المساعدات عند الحاجة.
محاربة الإسلام لكلّ ما يخلّ بالتعايش السلمي:
دعوة الإسلام إلى التعايش مع الغير بسلام ليست جديدة علينا ولا غريبة عنّا، بل هي مبدأ من مبادئ الإسلام.
إنّ الإسلام يحبّ الحياة ويقدّسها، ويحارب كلّ من يريد المساس بحياة أيّ فرد من البشر، لتعيش الإنسانية بسلام، وتتّجه إلى غاياتها من الرقيّ والتقدّم، وهي مظلّلة بظلال الأمن الوارف.
ولأجل تحقيق السّلم بين الناس جميعاً:
ـ أرسل الله تعالى رسوله بالهدى ودين الحق رحمة مهداة فقال الله تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) الأنبياء الآية 107.
ـ حرّم الإسلام قتل النفس البريئة، وإزهاق الأرواح الآمنة، وإراقة الدماء الطاهرة الزكيّة، قال الله تعالى: ( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ) المائدة الآية 32.
ـ حرّم الإسلام ترويع الناس ونشر الخوف فيهم، قال الله تعالى: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) المائدة الآية 33. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من أخاف مؤمناً كان حقاً على الله أن لا يؤمنّه من أفزاع يوم القيامة ) رواه الطبراني.
ـ تحريم الظلم بكلّ أنواعه، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال له: ( اتق دعوة المظلوم فإنّها ليس بينها وبين الله حجاب ) متفق عليه.
ثمار التعايش السلمي:
ـ التمتّع بالحقوق والنعم التي منحها الله للإنسان، قال الله تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) الإسراء 70.
ـ استتباب الأمن والطمأنينة، وتجنّب الحرب لأنها تدمير لما تصلح به الحياة. قال الله تعالى: ( وَإِنْ جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ) الأنفال الآية 61.
ـ توفير الحريّة بأنواعها ( الدينية والفكرية والشخصية..) للأفراد والجماعات. لأنّ الحريّة فطرة فطر الله الناس عليها، وهي حقّ طبيعي للإنسان، قال الله تعالى: ( فَذَكِّرِ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ) الغاشية الآية 21/22. وقال عزّ وجلّ: ( وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ ) سورة قَ الآية 45.
ـ خَلْق الجوّ الملائم لنشر الإسلام، لأنّ الإسلام يحمل للبشرية الهدى والنور والخير والرشاد.. فالسلم هو السبيل الوحيد الذي يساعد على اعتناق هذا الدين وما ي