عمليات القراصنة

أشهر عمليات القرصنة


كتب : ‏ شـريف طــه


إذا أردنا أن نلقي نظرة سريعة علي تطور تاريخ القرصنة البحرية نجد أنه يرجع هذا التاريخ إلي أكثر من ثلاثة آلاف سنة‏.‏ هكذا ترجح بعض الروايات‏,‏ ويبدو أن كلمة قرصان قد استخدمت في عام‏140‏ قبل الميلاد من جانب المؤرخ الروماني بوليبيوس‏,‏ أما المؤرخ اليوناني بلوتارك فقد ذكرها في حوالي عام مائة بعد الميلاد‏;‏ ليعبر به عن أقدم تعريف واضح للقرصنة‏;‏ فقد وصف القراصنة بأنهم أولئك الأشخاص الذين يهاجمون بدون سلطة قانونية ليس فقط السفن ولكن المدن الساحلية أيضا‏.‏ ولقد وصفت القرصنة لأول مرة في عدد من الأعمال الأدبية القديمة‏,‏ ومن بينها الإلياذة والأوديسة اللتان كتبهما الشاعر اليوناني القديم‏.‏


كما انتشر في العصور الوسطي في إنجلترا معني آخر للقرصنة هو أنهم من لصوص البحر‏,‏ وظهر تعريف كلمة قرصان المعاصرة في القرن الثامن عشر الميلادي‏,‏ وهو تعريف وصف القراصنة بأنهم أشخاص خارجون علي القانون‏.‏

ولا يذكر الأمريكيون القرصنة إلا ويذكرون الساحل البربري‏,‏ إشارة إلي اشتباكات عنيفة بين أمريكيين وقراصنة ذكر أنهم من البربر في شمال افريقيا قبل أكثر من مائتي سنة‏(‏ بعد سنوات قليلة من استقلال الولايات المتحدة سنة‏1776).‏ ولا يذكر الأمريكيون نشيد قوات المارينز إلا ويذكرون تلك الاشتباكات‏,‏ وذلك لأن النشيد يبدأ بالآتي‏:‏ من جبال مونتزوما الي سواحل طرابلس‏.(‏ الأولي معركة هزم فيها الأمريكيون ممالك الهنود الحمر في المكسيك‏.‏ والثانية اشارة إلي الحرب مع البرابرة‏.‏ لكن‏,‏ يظل قراصنة البحر الكاريبي هم أشهر القراصنة‏.‏ ولا يذكر هؤلاء إلا ويذكر كاليكو جاك البريطاني الذي هاجر الي امريكا‏,‏ ثم اصبح قرصانا‏,‏ وأرعب سفن البحر الكاريبي لخمسين سنة تقريبا‏.‏ ويحتفل الأمريكيون به كل يوم‏21‏ من شهر ديسمبر‏,‏ يوم القراصنة العالمي‏,‏ وهو يوم ثقافي أكثر من بطولي‏.‏

ومع زيادة حجم السفن التجارية‏,‏ و تطور تكنولوجيا الاتصالات ودوريات الحراسة البحرية في معظم الطرق الرئيسية علي المحيط‏,‏ وقوة الإدارة المنظمة لمعظم الجزر والمناطق البرية في العالم‏,‏ والاعتراف العام من جانب الحكومة بالقرصنة‏;‏ باعتباره اعتداء‏.,‏ كل ذلك أدي إلي إحداث تراجع كبير في حجم القرصنة في القرن التاسع عشر والعشرين‏,‏ وقد حدثت القرصنة ـ علي أية حال ـ في القرن العشرين في أماكن تقليدية مثل بحر الصين الجنوبي‏,‏ كما أن عمليات اختطاف السفن أو الطائرات قد تطورت لتأخذ شكلا جديدا من أشكال القرصنة‏.‏

وفي الماضي‏,‏ كانت سفينة تهجم علي سفينة وتحتلها‏.‏ لكن اليوم يستطيع زورق به عشرة أشخاص خطف ناقلة بترول‏.‏ فاليوم يستعمل القراصنة قاذفات آر بي جي‏,‏ وتليفونات محمولة‏,‏ وأجهزة وجي بي اس‏(‏ تحديد الموقع بالأقمار الفضائية‏).‏ كما انه في أحيان كثيرة‏,‏ لا يريد القراصنة السفينة نفسها‏,‏ ولا يريدون بضاعتها أو بترولها‏,‏ ولكنهم يريدون ممتلكات شخصية‏,‏ وخزانة السفينة التي فيها رواتب الملاحين‏.‏

لكن‏,‏ تحدث أحيانا حالات استثنائية‏,‏ مثل حادثة خطف قراصنة سفينة في مياه نيجيريا‏,‏ وقيامهم بطرد الملاحين‏,‏ وتغيير لون السفينة‏,‏ وعلمها‏,‏ واسمها‏,‏ وميناء التسجيل‏.‏ وتشير تقارير حوادث القرصنة إلي حالات كثيرة منها ما يوصف بالقرصنة ذات الدوافع السياسية مثل قيام فلسطينيين عام‏1985,‏ بخطف سفينة السياح أكيلي لاورو الإيطالية‏,‏ وأعلنوا أنهم لن يطلقوا سراح مئات السياح إلا إذا أطلقت إسرائيل سراح مئات المعتقلين الفلسطينيين في سجونها‏.‏ وعندما رفضت إسرائيل‏,‏ قتلوا واحدا من السياح رموا جثته في البحر‏.‏ وبرغم أن الخطف كان سياسيا‏,‏ وبرغم أن الخاطفين كانوا من داخل السفينة‏,‏ فقد صنف ما قاموا به علي أنه قرصنة‏.‏

وبعد ذلك بست سنوات‏,‏ خطف قراصنة ناقلة بترول في مضيق ملقا بين ماليزيا وسومطرة‏,‏ وصدموا بها سفينة تجارية بعد أن اعتقلوا قبطانها‏,‏ وتركوها تسير بقبطان اتوماتيكي‏,‏ وهربوا‏.‏ اشتعلت النيران في السفينتين لأسابيع‏,‏ وقتلت أكثر من‏50‏ من ملاحي السفينتين‏.‏ وكانت هذه المنطقة من أشهر مناطق القرصنة‏,‏ ولكن الهجمات خفت عليها الآن‏.‏وبعد ذلك بسبع سنوات‏,‏ خطف قراصنة سفينة شانج سونج في بحر جنوب الصين‏,‏ وقتلوا كل بحارتها‏(23),‏ ورموا جثثهم في البحر‏.‏ ولسبب ما زادت حوادث القرصنة بعد هجوم‏11‏ سبتمبر علي الولايات المتحدة‏(‏ ربما لاعتقاد القراصنة بأنهم يقدرون علي أن يفعلوا أي شيء‏).‏

والحقيقة أن التاريخ يعيد نفسه الآن‏,‏ فالعالم كله يعتمد كثيرا علي طرقه البحرية لنقل المواد الأولية التي هو بحاجة ماسة إليها‏..‏البترول والحديد والآلات الضخمة تدور ليل نهار في البحار‏,‏ لكن ليس هناك وسائل حماية موحدة ضد أولئك الذين يريدون كسب الثروة عن طريق العنف‏.‏ وبالرغم من ان معاهدة الأمم المتحدة لقوانين البحار لعام‏1992‏ تعرف القرصنة في أعالي البحار بصفتها ممارسة اجرامية وبعد الهجوم علي سفينة‏’‏ أكيلي لاورو‏’‏ في البحر الأبيض المتوسط‏,‏ ألحق بند جديد بالاتفاق‏,‏ يأخذ الهجوم علي السفن في البحر بنظر الاعتبار‏.‏ لكن الاتفاقية لا تسمح بمطاردة القراصنة في المياه الإقليمية لبلدان أخري‏.‏ فالأمر شبيه بمطاردة رجال مكافحة الإجرام‏.‏ فمهمتهم بالمطاردة تنتهي دائما عند حدود البلد الآخر‏.‏ وحدهم المجرمون يستطيعون تجاوز الحدود‏,‏ أينما شاءوا‏

شكرا لك يا قرصان الجزائر