درج العلماء على تعريف القرآن بأنه " كلام الله تعالى المُنَزَّل على محمد - صلى الله عليه وسلم - المتعبد بتلاوته
:شرح التعريف
وقولنا : المنزل : خرج به ما استأثر الله بعلمه أو ألقاه إلى ملائكته ليعلموا به لا لينزلوه على أحد من البشر ذلكم أن من كلام الله ما ينزله إلى الناس ومنها ما يستأثر بعلمه ( قُل لَّو كَانَ البَحرُ مِدَاداً لِكَلِماتِ رَبّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَن تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلهِ مَدَدا ) . ( سورة الكهف : الآية 109 ) ( وَلَوْ أَنَّمَا فيِ ألأَرضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلامُ وَالبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أّبْحُرٍ مّانَفِدَتْ كَلِمَاتُ الله ِ ) . (سورة لقمان: الآية 27 ) .
وقولنا : على محمد - صلى الله عليه وسلم - خرج به المنزل على غيره من الأنبياء كالتوراة المنزلة على موسى عليه السلام والانجيل المنزل على عيسى - عليه السلام - والزبور المنزل على داود عليه السلام والصحف المنزلة على إبراهيم عليه السلام
.
وقولنا : المتعبد بتلاوته خرجت به الأحاديث القدسية ونريد بالمتعبد بتلاوته أمرين :
الأول : أنه المقروء في الصلاة والذي لاتصح الصلاة إلا به ، لقوله صلى الله عليه وسلم " لاصلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " .
الثاني : إن الثواب على تلاوته لا يعاد له ثواب أي تلاوة لغيره فقد ورد في فضل تلاوة القرآن من النصوص ما يميزها عن غيرها فقد روى إبن مسعود - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : [ من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنه والحسنة بعشر أمثالها لا أقول ألم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ] (رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح . والدارمي ونلحظ أن هذا التعريف وصفي للقرآن ، وهو لا يكاد يتعرض لوظيفة القرآن التي من أجلها أنزله الله ، وهي الهداية . ولذلك كان الأولى أن يقال في تعريفه :
هو كلام الله تعالى ، المعجز ، المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لهداية البشرية جمعاء لما فيه صلاح أمرها في الدارين ، المتعبد بتلاوته وتطبيقه .
:الفرق بين القرآن الكريم والأحاديث القدسية
:إن هناك فروقا كثيرة بين الحديث القدسي والقرآن منها
أن القرآن الكريم تحدى الله الناس أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله أو بسورة من مثله أو بحديث مثله فعجزوا أما الحديث القدسي فلم .يقع به التحدي والإعجاز
أن القرآن الكريم منقول بطريق التواتر فهو قطعي الثبوت كله سوره وآياته وجمله ومفرداته وحروفه وحركاته وسكناته ، أما الحديث القدسي .فأغلبه أحاديث آحاد فهو ظني الثبوت
.أن القرآن الكريم من عند الله لفظاً ومعنى ، أما الحديث القدسي فمعناه من الله باتفاق العلماء ، أما لفظه فاختلف فيه
أن القرآن الكريم لا ينسب إلا إلى الله تعالى أما الحديث القدسي فينسب إلى الله تعالى نسبة إنشاء ويروى مضافاً إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - نسبة أخبار فيقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه
.أن القرآن الكريم لا يمسه إلا المطهرون أما الحديث القدسي فيمسه الطاهر وغيره
أن القرآن الكريم متعبد بتلاوته من وجهين كما سبق بيانه
أن الصلاة لا تصح إلا بتلاوة القرآن دون الحديث القدسي
أن ثواب تلاوة القرآن ثواب عظيم كما جاء في حديث ابن مسعود رضي الله عنه " من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنه والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن الف حرف ولام حرف وميم حرف "(رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ج5 ص 175 ، والدارمي ج2 ص 429) والحديث القدسي ليس في تلاوته الثواب الوارد لتلاوة القرآن الكريم
أن القرآن الكريم تحرم روايته بالمعنى أما الحديث القدسي فلا تحرم روايته بالمعنى
أ
أن القرآن الكريم لايكون إلا بوحي جلي وذلك بنزول جبريل على الرسول صلى الله عليه وسلم يقظة فلم ينزل شيء من القرآن على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالإلهام أو في المنام ، أما الحديث القدسي فنزل بالوحي الجلي والخفي .
أما ماورد في صحيح مسلم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال : " بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى ثم رفع رأسه مبتسماً فقلنا ما أضحكك يارسول الله ! قال : " أنزلت علي آنفاً سورة " فقرأ : " بسم الله الرحمن الرحيم ، إنَّا أَعطَينَاكَ الكَوْثَرَ فَصَلِ لِرَبِكَ وَأنْحَرْ إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ " .
فالواقع أن هذه الإغفاءة ليست إغفاءة نوم ولعلها الحالة التي تأتيه عند الوحي حيث يصيبه - صلى الله عليه وسلم - ثقل في الجسم وتفصد العرق وشبه إغفاءة نوم والله أعلم .
أن القرآن الكريم يحرم بيعه عند الإمام أحمد ويكره عند الشافعي دون الحديث القدسي .
أن القرآن الكريم تسمى الجملة منه آية وسورة ، والأحاديث القدسية لايسمى بعضها آية ولا سورة باتفاق
أن القرآن الكريم يكفر من جحد شيئاً منه ، أما الحديث القدسي فلا يكفر من جحد غير المتواتر منه
:أسماء القرآن الكريم وصفاته
القرآن : في قوله تعالى : ( إنَّهُ لَقُرءَانٌ كَرِيمٌ )( سورة الواقعة : الآية : 77 ).
2. الكتاب: في قوله تعالى : ( الَمَ * ذَلِكَ الكِتَابُ لاَرَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلمُتَّقينَ )( سورة البقرة : الآية الاولى) .
3. الذكر : في قوله تعالى : ( إنَّا نَحنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنَّا لَهُ لَحَافِظُون َ ) (سورة الحجر : الآية 9 ) .
4. الفرقان : في قوله تعالى : ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ ) ( سورة الفرقان : الآية الأولى ) .
5. النور : في قوله تعالى
فآمِنُوا بَاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذي أّنزَلْنَا ) ( سورة التغابن : الآية 8 ) .
ومن أسمائه الواردة في القرآن نفسه : بشرى ( البقرة /97) ، علم (البقرة/145) ، العروة الوثقى (البقرة/256) ، حقّ (آل عمران/62) ، حبل الله (آل عمران/103) ، بيان للناس (آل عمران/138) ، منادي (آل عمران/193) ، نور مبين (النساء/174) ، مهيمن (المائدة/48) ، عدْل (الأنعام/115) ، صراط مستقيم (الأنعام/153) ، بصائر (الأعراف/203) ، كلام الله (التوبة/6) ، حكيم (يونس/1) ، موعظة (يونس/57) ، هدى ورحمة (يونس/57) ، عربيّ (يوسف/2) ، قصص (يوسف/2) ، بلاغ (إبراهيم/52) ، هدى (الإسراء/9) ، شفاء (الإسراء/82) ، قيّم (الكهف/2) ، وحي (الأنبياء/45) ، ذكر مبارك (الأنبياء/50) ، زبور (الأنبياء/105) ، الفرقان (الفرقان/1) ، تنزيل (الشعراء/192) ، أحسن الحديث (الزمر/23) ، مثاني (الزمر/23) ، متشابه (الزمر/23) ، الصدق (الزمر/23) بشير ونذير (فصلت/4) ، عزيز (فصلت/41) ، روح (الشورى/52) ، عليٌّ حكيم (الزخرف/4) ، كتاب مبين (الدخان/2) ، حكمة (القمر/5) ، قرآن كريم (الواقعة/77) ، أمْرُ الله (الطلاق/5) ، تذكرة (الحاقة/48) ، عجبٌ (الجن/1) ، نبأ عظيم (النبأ/2) ، صحف مكرمة (عبس/13) ، مرفوعة مطهرة (عبس/14) ، مجيد (البروج/21) ، قول فصل (الطارق/13) .
ومن صفات القرآن الكريم :
1. المبارك : في قوله تعالى : ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ ) ( سورة الانعام : الآية ) .
2. هدى ، ورحمة : في قوله تعالى: ( هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحسِنِينَ ) ( سورة لقمان : الآية 3 ) .
3. الكريم : في قوله تعالى : ( إنَّهُ لَقُرءَانٌ كَرِيم ٌ ) ( سورة الواقعة : الآية 77 ) .
4. الحكيم : في قوله تعالى : ( الَر * تِلْكَ ءَايَاتُ اَلْكِتَابِ اَلْحَكِيم ِ ) ( سورة يونس : الآية : 1) .
5. الفصل : في قوله تعالى : ( إنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ) ( سورة الطارق : الآية 13 ) .
وقد بين العلماء - رحمهم الله تعالى - حكمة تعدد الأسماء للقرآن الكريم فقال الفيروز آبادي - رحمه الله تعالى - : " إعلم أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى أو كماله في أمر من الأمور ، أما ترى أن كثرة أسماء الأسد دلت على كمال قوته ، وكثرة أسماء القيامه دلت على كمال شدته وصعوبته ، وكثرة أسماء الداهية دلت على شدة نكايتها ، وكذلك كثرة أسماء الله تعالى دلت على كمال جلال عظمته ، وكثرة أسماء النبي - صلى الله عليه وسلم - دلت على علو رتبته وسمو درجته ، وكذلك كثرة اسماء القرآن دلت على شرفه وفضيلته " ( بصائر ذوي التمييز : الفيروز آبادي ج 1 ص 88 ) .
وبين أسماء القرآن الكريم الكثيرة اشتراك وامتياز ، فهي تشترك في دلالتها على ذات واحدة هي القرآن الكريم نفسه ، ويمتاز كل واحد منها عن الآخر بدلالته على معنى خاص ، فكل اسم للقرآن يدل على حصول معناه فيه ، فتسميته مثلا بالهدى يدل على الهداية فيه ، وتسميته بالتذكرة يدل على أن فيه ذكرى ، وهكذا (خصائص القرآن الكريم : د . فهد الرومي ص 123 ) .
كما قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى - عن لفظ السيف والصارم والمهند .. فإنها تشترك في دلالتها على الذات فهي من هذا الوجه كالمتواطئة ، ويمتاز كل منها بدلالته على معنى خاص فتشبه المتباينة وأسماء الله واسماء رسوله وكتابه من هذا الباب ( مجموع فتاوي ابن تيميه : ج 20 ص 494 ) .
وأسماء القرآن الكريم وصفاته توقيفية لانسميه ولا نصفه إلا بما جاء في الكتاب أو في السنة النبويه الشريفة .
فإن قلت : أرأيت تسميته بالمصحف هل وردت في الكتاب أو في السنة ؟ قلت : إن المصحف ليس اسما للقرآن ذاته وانما هو اسم للصحف التي كتب عليها القرآن ، ولم يطلق عليه ( المصحف ) إلا بعد جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في فحف ضم بعضها إلى بعض فسميت مصحفا .
ولهذا نرى العلماء يتحدثون عن حكم بيع المصحف ولم يقل أحد منهم بيع القرآن ، فالقرآن كلام الله تعالى ، أما المصحف فهو من عمل البشر وصناعتهم التي يبتغون بها الرزق والكسب الحلال (خصائص القرآن الكريم : د . فهد الرومي ص 124 ) .
ولهذا أيضا لايصح أن يجمع لفظ القرآن لأن القرآن واحد لا يختلف في كل المصاحف ، أما المصحف فيصح جمعه فيقال " مصاحف " لأن كل واحد منها أو مجموعة تختلف عن الأخرى .
وهناك إشارة دقيقة استنبطها بعض العلماء من تسميته بالقرآن والكتاب فقال : روعي في تسميته قرآنا كونه متلوا بالألسن كما روعي في تسميته كتابا كونه مدونا بالأقلام فكلتا التسميتين من تسمية شيء بالمعنى الواقع عليه .
وفي تسميته بهذين الاسمين إشارة إلى أن من حقهبهذين الاسمين إشارة إلى أن من حقه العناية بحفظه في موضعين لا في موضع واحد ، أعني أنه يجب حفظه في الصدور ، والسطور جميعاً . أن تضل إحداهما فتذكر الأخرى ، فلا ثقة لنا بحفظ حافظ حتى يوافق الرسم المجمع عليه من الأصحاب المنقول إلينا جيلا بعد جيل على
هيئته التي وضع عليها أول مرة ولا ثقة لنا بكتابة كاتب حتى يوافق ما هو عند الحفاظ بالإسناد الصحيح المتواتر .
وبهذه العناية المزدوجة التي بعثها الله في نفوس الأمة المحمدية إقتداءً بنبيها بقي القرآن محفوظا في حرز حريز (النبأ العظيم د. محمد عبدالله دراز ، ص 12- 13 ) .