نشأتهولد محمد ب
مكة في شعب
بني هاشم (بطن من بطون
قريش) يوم الإثنين
الثامن أو
الثاني عشر من شهر ربيع الأول من
عام الفيل، ويوافق ذلك
العشرين أو
اثنين وعشرين من شهر أبريل سنة
571م (أو 570 وحتى 568 أو 569 حسب بعض الدراسات
[]). مرض أبوه عبد الله ب
المدينة وتوفي، قيل ما يقرب من ستة أشهر قبل أن يولد (وهو المشهور عند المؤرخين)
] أو بعد ذلك بقليل
]، والثابت أن
آمنة ولدت محمدا في غياب
عبد الله، فأرسلت إلى
عبد المطلب تبشره بحفيده ففرح به فرحا شديدا، وجاء مستبشرا ودخل به
الكعبة شاكرا الله، واختار له اسم
محمد ولم تكن العرب تسمي به آن ذاك، وختنه يوم سابعه كما كانت عادة العرب. أول من أرضعته من المراضع - وذلك بعد أمه بأسبوع
] -
ثويبة مولاة
أبي لهب بلبن ابن لها يقال له مسروح، وكانت قد أرضعت قبله
حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده
أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي، ثم عرض على مرضعات
بني سعد بن بكر، فما قبله ليتمه والخوف من قلة ما يعود من أهله أحد إلا
حليمة بنت أبي ذؤيب وزوجها
الحارث بن عبد العزى، وإخوته منها
عبد الله بن الحارث و
أنيسة بنت الحارث و
الشيماء ، وكانت تحضن معه ابن عمه
أبو سفيان بن الحارث بن
عبد المطلب، وكان
حمزة رضيع بني سعد أيضا، فأرضعت أمه محمدا وهو عند
حليمة يوما، وبذلك يكون
حمزة رضيع رسول الله من جهة ثويبة ومن جهة السعدية
]، وكانت
حليمة تذهب به لأمه كل بضعة أشهر، وقد عاش في بني سعد سنتين حتى
الفطام وعادت به
حليمة إلى أمه لتقنعها بتمديد حضانته خوفا من وباء ب
مكة وقتها ولبركة رأتها وزوجها من هذا الرضيع فوافقت
آمنة ]. كان محمد في الرابعة أو الخامسة من عمره حين حدث له ما يعرف بحادث شق الصدر،
]، التي يؤمن المسلمون بحدوثها، ويروي
مسلم تفاصيلها في
صحيحه عن
أنس بن مالك:
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه
جبريل وهو يلعب مع الغلمان فأخذه، فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ
الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء
زمزم،
ثم لأمه - أي جمعه وضم بعضه إلى بعض - ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان
يسعون إلى أمه - يعني ظئره - فقالوا: إن محمدا قد قتل، فاستقبلوه وهو
منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.
[][]» خشيت حليمة على محمد بعد هذه الواقعة فردته إلى أمه. فلما بلغ ست سنين سافرت به أمه إلى أخواله من
بني عدي بن النجار تزيره إياهم، ومعها حاضنته
أم أيمن وقيمها جده
عبد المطلب، فبقيت عندهم شهرا ثم رجعت، وفي طريق عودتها لحقها المرض فتوفيت ب
الأبواء بين
مكة و
المدينة.
[] فرجع
عبد المطلب بمحمد بعد ذلك ليعيش معه بين أولاده، فكان يكبره بينهم ويعطف عليه ويرق لما زاد اليتيم يتما على يتمه، إلى أن توفي
عبد المطلب ب
مكة ومحمد ابن ثماني سنوات، ورأى قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه
أبو طالب شقيق أبيه
[]، فكفله
أبو طالب وضمه لأولاده وقدمه عليهم، وظل يعزه ويحميه ويؤازره ما يربو على الأربعين سنة، يصادق ويخاصم من أجله حتى توفي في
عام الحزن.
كان محمد في البداية يرعى الغنم في بني سعد، وفي مكة لأهلها على
قراريط، ثم سافر وعمره 9 سنوات -حسب رواية ابن هشام- مع عمه إلى الشام في
التجارة،
[] إلا أنه لم يكمل طريقه وعاد مع عمه فورا إلى مكة بعد أن لقي
الراهب بحيرى في
بصرى بالشام الذي أخبره أن هذا الغلام سيكون له شأن عظيم بعد أن وجد فيه علامات النبوة، وخشى عليه من أذى اليهود،
[] وإن كان يشكك البعض في صحة لقاء الراهب.
]لقب بمكة بالصادق الأمين
[]، فكان الناس يودعونه أماناتهم لما اشتهر به من أمانة. لما أعادت قريش بناء الكعبة واختلفوا فيمن يضع
الحجر الأسودفي موضعه، فاتفقوا على أن يضعه أول شخص يدخل عليهم فلما دخل عليهم محمد
قالوا جاء الأمين فرضوا به فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل قبيلة أن
ترفع بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه
[].
[] زواجه بخديجةبلغ
خديجة بنت خويلد، وهي امرأة تاجرة ذات شرف ومال
[]عن محمد ما بلغها من أمانته، فبعثت إليه عارضة عليه أن يخرج في مال لها
إلى الشام، وأعطته أفضل ما أعطت غيره من التجار، كما وهبته غلاما يدعى
ميسرة، خرج محمد مع ميسرة حتى قدم الشام، فاشترى البضائع ولما عاد لمكة
باع بضاعته فربح الضعف تقريبا. بعد عودته من رحلة تجارية إلى
الشاموما جاء به من ربح عرضت خديجة عليه الزواج فرضى بذلك، وعرض ذلك على
أعمامه، ثم تزوجها بعد أن أصدقها عشرين بكرة وكان سنها آنذاك أربعين سنة
وهو في الخامسة والعشرين، ولم يتزوج غيرها حتى ماتت. أنجب من خديجة كل
أولاده إلا إبراهيم فهو من
مارية القبطية،
وهم القاسم وعبد الله وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة. فأما القاسم وعبد
الله فماتوا في الجاهلية وأما بناته فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن
معه. إلا أنهن أدركتهن الوفاة في حياته سوى
فاطمة الزهراء فقد ماتت بعده.
[] دعوتهكان
حنيفيا قبل الإسلام يعبد الله على ملة
إبراهيمويرفض عبادة الأوثان والممارسات الوثنية. يؤمن المسلمون أن الوحي نزل عليه
وكُلّف بالرسالة وهو ذو أربعين سنة، أمر بالدعوة سراً لثلاث سنوات، قضى
بعدهن عشر سنوات أخر في مكة مجاهراً بدعوة أهلها وكل من يرد إليها من
التجار والحجيج وغيرهم.
[] نزول الوحيغار حراء، حيث يؤمن المسلمون أن وحي من الله نزل إلى محمد هناك
كان النبي محمد يذهب إلى
غار حراء في جبل النور على بعد نحو ميلين من مكة فيأخذ معه السويق والماء فيقيم فيه شهر
رمضان[]. وكان يختلي فيه قبل نزول القرآن عليه بواسطة الوحي
جبريل ويقضى وقته في التفكر والتأمل.
تذكر كتب السيرة النبوية أن الوحي نزل لأول مرّة على محمد وهو في غار حراء، حيث جاء الوحي
جبريل،
فقال : اقرأ : قال : "ما أنا بقارئ" - أي لا أعرف القراءة، قال :
"فأخذني فغطَّني حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني" فقال : اقرأ، قلت :
"مـا أنـا بقـارئ"، قـال : "فأخذني فغطَّني الثانية حتى بلـغ مني الجهد،
ثم أرسلني" فقال : اقرأ، فقلت : "ما أنا بقارئ، فأخذني فغطَّني الثالثة،
ثـم أرسلني"، فقال :
{اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم} (سورة العلق : 1 - 5)، فأدرك محمد أن عليه أن يعيد وراء سيدنا
جبريلعليه السلام هذه الكلمات، ورجع بها يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد،
فقال : "زَمِّلُونى زملوني" ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لزوجته
خديجة: "ما لي؟" فأخبرها الخبر، "لقد خشيت على نفسي"، فقالت
خديجة: "كلا، والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل،
وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق"، فانطلقت به خديجة إلى
ابن عمها
ورقة بن نوفل وكان حبراً عالماً قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من
الإنجيل بالعبرانية، وكان شيخًا كبيراً فأخبره خبر ما رأى، فقال له ورقة: "هذا الناموس الذي أنزله الله على النبي
موسى". وقد جاءه الوحي جبريل أخرى جالس على كرسي بين السماء والأرض، ففر منه
رعباً حتى هوى إلى الأرض، فذهب إلى زوجه خديجة فقال: "دثروني، دثروني،
وصبوا علي ماءً بارداً" ، فنزلت:
{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (المدثر:1-5)، وهذه الآيات هي بداية رسالته ثم بدأ الوحي ينزل ويتتابع لمدة ثلاثة وعشرين عاماً حتى وفاته.
[]وفي رواية وردت في طبقات ابن سعد وتاريخ الطبري وبلاغات البخاري؛ بعد وفاة
ورقة بن نوفل كان الوحي يتقطع، فيصاب محمد بحالة إحباط وحزن شديدين حتى
أنه يفكر في الإنتحار بإلقاء نفسه من فوق قمم الجبال، لكنه كلما كان يصل
لقمة جبل ليلقي نفسه كان يتبدى له جبريل ويقول له:
«يا محمد، إنك رسول الله حقا
» فيهدأ ويتراجع، لكنه كان يكررها كلما انقطع الوحي.
[][] بداية الدعوة :
بداية الدعوة المحمديةممن سبق إلى
الإسلام خديجة بنت خويلد، وابن عمه الإمام
علي بن أبي طالب وكان صبيا ابن عشر سنين يعيش في كفالة محمد وأسلم بعد النبوة بسنة
[], وقد أسلم قبل الإمام أبو بكر ولكنه كان يكتم إسلامه أما الصحابي أبو بكر فكان أول من أظهر الإسلام
[]. جمع الرسول محمد أهله وأقاربه وعرض عليهم الإسلام فلم يجبه إلا علي
[] - ومولاه الصحابي
زيد بن حارثة، و الصحابي
أبو بكر الصديق. أسلم هؤلاء في أول أيام الدعوة. واستمرت الدعوة سراً لمدة ثلاث سنوات ثم نزل الوحي يكلف الرسول بإعلان الدعوة والجهر بها.
وفقا ل
ابن سعد، لم تعارض قريش محمد ودعوته إلا بعد أن نزلت آيات في ذم الأصنام وعبادتها.
[] في حين يتمسك مفسري القرآن وبعض كتاب السيرة بأن المعارضة تزامنت مع بدأ الدعوة الجهرية للإسلام.
[]كما كانت زيادة عدد الداخلين في الإسلام تمثل خطرا على نظام الحياة
الدينية في مكة، مما يؤثر سلبا على القوة الاقتصادية لقريش التي تستمدها
من حماية الكعبة وخدمة الحجيج وتوافدهم إلى المدينة، فكانت دعوة محمد تعرض
كل هذا للفناء. عرض كبار تجار قريش على محمد التخلي عن دعوته -وفي رواية
ابن سعد التوقف عن شتم آلهتهم- في مقابل مشاركته التجارة ودخوله ضمن
صفوفهم، والزواج من بناتهم لبناء مركزه بينهم، بيد أنه رفض.
[] فعرضوا عليه أن يعبد آلهتهم سنة ويعبدون الله سنة بحسب تاريخ الطبري، فأخبرهم أنه سينتظر أمر الله، فنزلت الآيات
{قل يأيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون}، كما نزلت الآيات:
{قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون} إلى الآية:
{بل الله فاعبد وكن من الشاكرين}.
قالوا عن محمد: أنه مصاب بنوع من الجنون، وقالوا: إن له جناً أو
شيطاناً يتنزل عليه كما ينزل الجن والشياطين على الكهان، وقالوا شاعر،
وقالوا ساحر، وكانوا يعملون للحيلولة بين الناس وبين سماعهم
القرآن، ومعظم شبهاتهم دارت حول توحيد الله، ثم رسالته، ثم بعث الأموات ونشرهم وحشرهم
يوم القيامة وقد رد
القرآنعلى كل شبهة من شبهاتهم حول التوحيد. لكنهم لما رؤوا أن هذه الأساليب لم
تجد نفعاً في إحباط الدعوة الإسلامية استشاروا فيما بينهم، وقرروا القيام
بتعذيب المسلمين، فأخذ كل رئيس يعذب من دان من قبيلته بالإسلام، وتصدوا
لمن يدخل الإسلام بالتعذيب والضرب والجلد والكي، حتى وصل التعذيب لمحمد
نفسه وضربوه ورجموه بالحجارة في مرات عديدة ووضعوا الشوك في طريقه.
[بحاجة لمصدر]موقع مملكة
الحبشة، وجهة أصحاب محمد للهجرة هربا من الاضطهاد
لما اشتد البلاء على المسلمين أخبرهم الرسول محمد أن الله أذن لهم بالهجرة إلى
الحبشة في عام
615م، فخرج الصحابي
عثمان بن عفان ومعه زوجته
رقية بنت محمد، وخرج الصحابي
أبو حاطب بن عمرو ثم خرج الصحابي
جعفر بن أبي طالب فكانوا قرابة 80 رجلاً.
[]كما ذكر الطبري أن محمدا كان حريصا على صلاح قومه محبا لمقاربتهم، وشق
عليه مقاطعة قومه له وإعراضهم عنه فتمنى أن ينزل الله عليه ما يقرب بينه
وبين قومه، فكان يوما يصلي بالمسلمين بسورة النجم، فلما انتهى إلى:
{أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} ألقى الشيطان على لسانه كلمات وهي:
«تلك الغرانيق العلا وإن شافعتهن لترتجى
»،
حتى أتم السورة ثم سجد فسجد معه المسلمين وكل من كان في المسجد من قريش
وكل من سمع بذلك. قام محمد بالتراجع لاحقا عن ذلك الجزء وحزن وخاف خوفا
شديدا من الله لكنه عفا عنه وأنزل عليه الآيات:
{وما
أرسلنا من قبلك من رسولا ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته
فنيسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم}.
[] تعرف تلك الحادثة بحادثة الغرانيق، التي ذكرها بعض المؤرخين مثل
ابن هشام و
الطبري و
ابن كثير الذي قال أن أصل الرواية من الصحيح،
[] في حين عارضها الكثير منهم ك
ابن حجر الذي اعتبرها
مرسلة وضعيفة.
[][]وصلت الأخبار للمسلمين بالحبشة أن قريشاً قد أسلموا -نظرا لسجودهم-، فقدم
مكة منهم جماعة فوجدوا الاضطهاد مستمرا فمكثوا بمكة إلى أن هاجروا إلى
المدينة.
[]لما انتشر الإسلام وفشا اتفقت قريش على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب
ابني عبد مناف فلا يبايعوهم ولا يناكحوهم ولا يكلموهم ولا يجالسوهم حتى
يسلموا إليهم محمد، وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في سقف الكعبة. فانحاز إلى
الشعب بنو هاشم وبنو المطلب مسلمين كانوا أو غير مسلمين إلا أبا لهب فإنه
ظاهر قريش. استمرت المقاطعة قرابة ثلاث سنوات فلم يقربهم أحد في الشعب. ثم
سعى في نقض تلك الصحيفة أقوام من قريش فكان القائم في أمر ذلك
هشام بن عمرو فأجابته قريش، وأخبرهم محمد أن الله قد أرسل على تلك الصحيفة الأكلة فأكلت جميع ما فيها إلا المواضع التي ذكر فيها الله.
[44]جبال مدينة
الطائفتوفي كل من خديجة وأبو طالب -أكبر مؤيدي ومساندي محمد- في عام
619 م فسُمٍّي بعام الحزن. فتولى
أبو لهب قيادة بني هاشم من بعد أبي طالب، وبعدها انحسرت حماية بني هاشم لمحمد، وازداد أذى قريش له. مما دفعه للخروج إلى
الطائف ليدعوهم آملاً أن يؤوه وينصروه على قومه، لكنهم آذوه ورموه بالحجارة ورفضوا دعوته ولم يسلم إلا
الطفيل بن عمرو الدوسي الذي دعا قومه فأسلم بعضهم وأقام في بلاده حتى
فتح خيبر ثم قدم بهم في نحو من ثمانين بيتاً. عاد محمد إلى مكة تحت حماية
المطعم بن عدي.
]وفقاً للمعتقد الإسلامي فإن الملائكة عرضت على النبي محمد أن يهلكوا أهل
الطائف إلا أنه رفض وقال: «عسى أن يخرج من أصلابهم أقوام يقولون ربنا
الله».
[بحاجة لمصدر][] الإسراء والمعراج :
الإسراء والمعراجالمسجد الأقصى، حيث يعتقد المسلمون أن الله أسرى بمحمد إليه.
في عام
620 م وبينما محمد يمر بهذه المرحلة، وأخذت الدعوة تشق طريقها وقع حادث الإسراء والمعـراج، حيث يؤمن المسلمون أن الله أسرى بمحمد من
المسجد الحرام إلى
المسجد الأقصى راكباً على البُرَاق، بصحبة
جبريل،
فنزل هناك، وصلى بجميع الأنبياء إماماً، وربط البراق بحلقة باب المسجد. ثم
عرج به تلك الليلة من بيت المقدس إلى السماء فاستفتح له جبريل ففتح له،
فرأي هنالك
آدم أبا البشر، فسلم عليه، فرحب به ورد، وأقر بنبوته، ثم قابل في كل سماء نبي مثل
يحيى بن زكريا و
عيسى بن مريم،
يوسف،
إدريس،
هارون و
موسى و
إبراهيمثم عرج به إلى الله، وفرضت الصلوات في هذه الليلة التي خففت إلى خمس صلوات
بعد أن كانت خمسين صلاة. حسب رأي ابن إسحاق -أول رواة السيرة النبوية- فإن
الله أسرى بروح الرسول فقط، أي أنها كانت رحلة روحية؛ بينما يرى بعض
المؤرخين أن محمد سافر بجسده وروحه
]بعدما أصبح محمد من يومه أخبر قومه بما حدث لكنهم كذبوه، لم يصدقه سوى
من آمن بدعوته مثل أبو بكر، فيروى أن الوثنيين طلبوا من محمد وصف المسجد
الأقصى ومحمد لم يراه بوضوح في الليل، ولم يراه من قبل، فأتى جبريل
بالمسجد الأقصى بين يديه وقال له صف يا محمد، فكان كلما وصف قال أبو بكر
صدقت.
[][] الهجرة :
هجرة نبويةبدأ محمد يعرض نفسه في مواسم الحج على قبائل العرب يدعوهم إلى الله
ويخبرهم أنه نبي مرسل ويسألهم أن ينصروه ويمنعوه حتى يبلغ ما أرسله الله
به للناس. ولما كانت السنة 11 من النبوة، جاء ستة من شباب يثرب إلى مكة في
موسم
الحج. وقد كان يتحدث
اليهود في يثرب عن نبي منهم مبعوث في ذلك الزمان يخرج فيتبعونه ويقتلون أهل يثرب. وعد الشباب الرسول بإبلاغ رسالته إلى قومهم.
9] وعاد في موسم الحج التالي اثنا عشر رجلاً، التقى بهم النبي عند العقبة فبايعوه ما اصطلح على تسميته
بيعة العقبة الأولى.
وفي موسم الحج للسنة الثالثة عشرة من النبوة (يونيو سنة
622م)
حضر لأداء مناسك الحج بضع وسبعون شخصاً من المسلمين من أهل يثرب. لما
قدموا مكة جرت بينهم وبين النبي اتصالات سرية أدت إلى الاتفاق على هجرة
محمد وأصحابه إلى يثرب (والتي ستحمل اسم المدينة المنورة) وعرف ذلك
الاتفاق ببيعة العقبة الثانية.
[]أذن الرسول محمد للمسلمين بالهجرة إلى المدينة. وأخذ المشركون يحولون
بينهم وبين خروجهم، فخرج من استطاع. حتى لمْ يبق مع محمد بمكة إلا أَبو
بكرٍ و
علي بن أبي طالب.
65]حسب مصادر التراث، أن المشرِكون اجتمعوا بدار الندوة واتفقوا على أن يأتوا
من كل قبيلة بشاب قوي، يضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دم محمد بين القبائل.
تم تنفيذ ذلك واجتمعوا الشباب عِند بابه، لكنه خرج من بينِ أَيديهِم لم
يره منهم أَحد. وترك علي بن أبي طالب في مكانه ليؤدي الأَمانات التي عنده،
ثمَّ يلْحق به.
[66]ذهب محمد إِلى دارِ أَبِي بكرٍ، وكان
أَبو بكرٍ قد جهز راحلتين للسفر، فأَعطاها محمد لعبد الله بن أُرَيْقِط، على أَنْ يوافيهِما في
غار ثور بعد ثلاث ليالٍ، وانطلق الرسول
وأَبو بكرٍإِلَى الغار، و لم يستطع المشركين إيجادهما ويؤمن المسلمون أن لذلك تدّخل
من عند الله، وفي يومِ الاثنين العاشر من شهر ربيع الأول سنة
622م دخل محمد المدينة مع صاحبه
الصديق، فخرج الأَنصار إِليه وحيوه بتحية النبوة.
[] حياته في المدينة[] تأسيس الدولة الإسلاميةعانت يثرب قبل وصول محمد من صراعات دامت قرابة مائة عام بين القبائل
المختلفة التي تعيش بها، كانت آخرها حرب بُعاث التي شاركت فيها كافة
القبائل. فأدرك قادة قبائل المدينة حاجتهم لقائد موحد ينظم العلاقات بين
القبائل ويعمل على فض النزاعات،
[67] مما دفعهم للقبول بمحمد كقائد للمدينة وتوفير الدعم والحماية له ولأتباعه المهاجرين.
[9]مكث محمد في قباء أربعة عشر يوماً حسب الروايات، وانتظر محمد على مشارف المدينة إلى حين وصول
علي بن أبي طالب، وحين وصل استقبله النبي مكث معه ليلة أو ليلتين في بيت
كلثوم بن هدم -وفي رواية علي بن أبي طالب مكثوا في بيت امرأة مسلمة لا زوج لها- ثم نزل إلى المدينة.
وكانت أول خطوة خطاها محمد في المدينة هي أمره ببناء
المسجد النبوي حيث بركت ناقته. قام محمد بما عرف بالمؤاخاة بين
المهاجرين و
الأنصار،
واختار كل أنصاري أحد المهاجرين ليكون أخا له يأويه في بيته في خطوة توصف
بأنها تهدف لإذابة العصبيات القبلية وترسيخ مبدأ التكافل الاجتماعي، فكان
الأنصار يقتسمون أموالهم وبيوتهم بل وقيل حتى الزوجات مع إخوانهم من
المهاجرين، بل ووصل الأمر لأنهم كانوا يتوارثون بهذا الإخاء في ابتداء
الإسلام إرثاً مقدما على القرابة.
[68]قام محمد بصياغة وثيقة عرفت ب
دستور المدينة،
كانت أشبه بوثيقة تحالف بين العشائر والطوائف المختلفة بداخل المدينة
وتحدد حقوق وواجبات المواطنين بالمدينة. وقد احتوت الوثيقة اثنان وخمسون
بندا، خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة
بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولاسيما اليهود وعبدة الأوثان. وقد
دون هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين
بحرية، ولهم أن يقيموا شعاثرهم حسب رغبتهم، كما نص على تحالف القبائل
المختلفة في حال حدوث هجوم على المدينة، على الرغم من التأكيد على
الاستقلال المالي للقبائل المختلفة.
[69]كان أغلب الوثنيين في المدينة قد تحولوا إلى الإسلام، حتى كبار القادة منهم مثل
سعد بن معاذ، ولكن تبقى أقلية صغيرة من الوثنيين لم يكن لها تأثير واضح. إلا أن تلك الأقلية كانت معارضة لانتشار الإسلام، فبحسب
الواقدي قام بعض الشعراء الذين بقوا على وثنيتهم وهم
عصماء بنت مروان و
أبي عفك بتنظيم شعر في هجاء الرسول فأمر بقتلهما.
[70][بداية النزاع العسكري